باريس سان جيرمان بطل أوروبا 2025: من الأشباح إلى الأساطير

لم يعد حلم دوري أبطال أوروبا يراود مشجعي باريس سان جيرمان في المنام، بل أصبح واقعًا مذهلًا نُقش بماء الذهب على صفحات التاريخ.
بقيادة الثائر لويس إنريكي، تحول الفريق الباريسي من مشروع محبط ومثقل بالإخفاقات إلى آلة كروية لا ترحم، تُسطّر إنجازًا قاريًا هو الأول في تاريخه، والثاني للكرة الفرنسية بعد مارسيليا 1993.
في ليلة مشتعلة على ملعب ميونخ، بتاريخ 26 مايو 2025، قدّم باريس عرضًا كرويًا أقرب إلى الانفجار النووي التكتيكي، حوّل به النهائي أمام إنتر ميلان إلى كارثة إيطالية محكمة بخمسة أهداف نظيفة، ليحفر اسمه كصاحب أكبر انتصار في تاريخ النهائيات. لم يكن الأمر صدفة، بل تتويجًا لمشروع تحوّل من فوضى النجوم إلى وحدة جماعية متكاملة.
انفجار ميونخ: إعادة كتابة النهاية
ذكّر النهائي الكروي بنهائي يورو 2012 بين إسبانيا وإيطاليا، حيث فرضت “لا روخا” سيطرتها التامة، ومثلها فعل إنريكي مع باريس، مستحضرًا روح السيطرة الإسبانية على وسط الملعب والاستحواذ العاقل، ليجعل من لاعبيه نسّاجين محترفين لشبكة تمريرات تخنق الخصم وتُحوّله إلى متفرج عاجز.
باريس بدأ المباراة كالإعصار: في الدقيقة 12 دوّى صاروخ حكيمي ليعلن التقدم، وبعد أربع دقائق فقط، عمّق دويه الجراح الإيطالية. في الدقيقة 60، عاد دويه ليُضيف هدفًا ثانيًا بعد عرض فردي راقص من ديمبيلي وفيتينيا، قبل أن يختم كفاراتسخيليا ومايولو المأساة بخامسٍ تاريخي. خمسية، ثلاثية منها في الزاوية الضيقة، كلها من داخل الصندوق، في استغلال متكرر لثغرة واضحة في تموضع الحارس سومير.
تكتيك بذكاء الجراحين
منذ بداية البطولة، بنى إنريكي فلسفته على استغلال نقاط ضعف المنافس لا على فرض الأسماء، فاعتمد على سحب الدفاع عبر الأجنحة، وقطع الكرات في عمق الوسط، ثم الانقضاض بتسديدات دقيقة من زوايا يصعب على الحارس التفاعل معها. هذا لم يكن حظًا، بل نتيجة لتحليل دقيق أظهر ضعف الحارس في الزاوية القريبة.
باريس راوغ فخ التسديد العشوائي، وراهن على التمريرات الأرضية السريعة. وبالفعل، 3 من أهدافه الخمسة جاءت في الزاوية الضيقة، ما يكشف أن إنريكي درَس خصمه بعمق، ووظّف كل لاعبيه كأنهم أدوات جراحية تعمل وفق نظام عصبي واحد.
من الفوضى إلى البنيان
هذا الفريق ليس هو نفسه الذي أنفق 1.2 مليار يورو على نجوم متنافرين، ولا هو ذلك الكيان الذي انهار أمام برشلونة 2017 أو يونايتد 2019. المشروع الباريسي الجديد نفض عن نفسه غبار الأنا، وبنى فريقًا يتكامل فيه اللاعبون حتى يصير كل منهم نسخة بديلة عن الآخر.
رحيل ميسي، نيمار، ومبابي لم يكن خسارة، بل تحررًا من “سيرك النجومية الفردية”، حيث كانت معظم الهجمات تُبنى على مهاراتهم دون منظومة. أما اليوم، فباريس صار وحشًا بألف ذراع لا مرجعية له، يصعب احتواؤه أو التنبؤ بتحركاته.
تدريب بـ”العين المعصوبة”
ما يُميّز باريس اليوم هو غريزته الجماعية، الناتجة عن نظام تدريبي ثوري، يشمل تمارين يمرر فيها اللاعبون الكرة وهم معصوبو العينين، ومباريات محاكاة بـ10 ضد 11 في مساحات ضيقة، وتحليلات فيديو توضح الزوايا العمياء لكل لاعب. النتيجة؟ حركة جماعية منسجمة كأن الأجساد تعمل بعقل واحد.
نهاية مشروع الإنتر؟
في المقابل، عاش إنتر ميلان انهيارًا نفسيًا وبدنيًا مركّبًا. فبعد أن اقترب من تكرار ثلاثية 2010، خسر الدوري في الجولة الأخيرة، ثم تلقى صفعة خماسية في النهائي. أسباب السقوط؟ فريق مسن، مدرب مشتت يفاوض الهلال، نجم مهم (باريلا) في طريقه إلى نفس الوجهة، وغرفة ملابس ملوّثة بالتسريبات.
خسارة إنتر لم تكن فنية فقط، بل ذهنية، حيث اخترقت أخبار الانتقالات صفوف الفريق قبل أسبوعين من النهائي، ففقد الفريق وحدته النفسية في أهم لحظة. والنتيجة: انهيار غير مشرف ربما يُنهي مشروع سيموني إنزاجي بالكامل، ويعيد الفريق إلى نقطة الصفر.
باريس الجديد: نموذج رياضي وفكري
باريس سان جيرمان 2025 ليس مجرد فريق كروي ناجح، بل تجربة رياضية فريدة حوّلت رأس المال المالي إلى رأس مال تكتيكي، وصهرت المواهب الفردية في بوتقة واحدة، حيث لم يعد اللاعب نجمًا يُبنى عليه المشروع، بل خلية في نسيج جماعي.
وما خماسية النهائي إلا انعكاس لتراكم طويل من الإصلاحات الفكرية والتكتيكية، جعلت من باريس سان جيرمان فريقًا يُعلّم أوروبا من جديد كيف تُلعب كرة القدم.
فهل بدأ عصر باريس؟